معيار الخطأ الطبي

معيار الخطأ الطبي – قانون المسؤولية الطبية الإماراتي

 

معيار الخطأ الطبي

 

ان تحديد الخطأ الطبي من المسائل الجوهرية في المسؤولية الطبية بوجه خاص نظراً لما يشكله من أهمية كبيرة في اثبات الخطأ الطبي ولأن تقديره يبين ما إذا كان تصرف الكادر الطبي خاطئا ام لا ، فتقوم مسؤوليته او لا يشكل خطأ فتنتفي مسؤوليته ، فلا يمكن الجزم بإرتكاب الكادر الطبي للخطأ إلا اذا اعتمدنا على معيار ثابت يبين فعل الكادر الطبي وارتكابه للخطأ ام لا ، وهذا الامر له أهمية كبرى ، إذ يعد جوهرياً لتحديد المسؤولية الطبية.

 

حيث نص قرار المحكمة الاتحادية العليا بأن “مسؤولية الكادر الطبي مناطها قيامه ببذل العناية المطلوبة منه ، وذلك بأن يبذل جهوداً صادقة ويقظة تتفق – في غير الأحوال الاستثنائية – مع الأصول المستقرة في علم الطب. مسؤوليته عن كل تقصير في مسلكه لا يقع من كادر طبي في مستواه المهني وجد في الأحوال الخارجية نفسها التي أحاطت بالكادر الطبي المسؤول”.

 

والعناية المطلوبة تختلف تبعا لطبيعة العمل الذي يقدمه الكادر الطبي ، فأما ان يكون عملاً فنياً يتصل مباشرة بمهنة الطب ، أو عملاً عادياً ليس له علاقة مباشرة بهذه المهنة. لذلك يجب مراعاة الطبيعة الفنية للعمل عند وضع معيار لقياس سلوك الكادر الطبي ، لأن المعيار الذي يقدر خطأ الكادر الطبي وفقا له يختلف طبيعة العمل الذي حدث الإخلال بالالتزام به وهنا يمكن تقسيم المعيار الى نوعين:

 

  • معيار الخطأ العادي: العناية المطلوبة من الكادر الطبي تلزم ببذل جهود حثيثة ومخلصة تتوافق في غير الظروف الاستثنائية مع أسس علم الطب ، وبخلافه يكون مخطئاً في حال التقصير.
  • معيار الخطأ الفني: يقاس السلوك المهني لمرتكب الفعل الضار بالسلوك الفني المتعارف عليه من قبل خبرة مختصة من نفس المهنة والمستوى وبما يتمتع به من يقظة على ان يكون في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت بالكادر فيما يقتضي بذل العناية الطبية التي تتطلبها الإجراءات الطبية المتعارف عليها. ولتقدير الخطأ الطبي يتوجب مراعاة المستوى المهني للكادر الطبي المسؤول وما اكتسبه من خبرة ، فيقارن مثلاً سلوك طبيب عام بطبيب عام مثله محاط بنفس الظروف ، وطبيب اخصائي بطبيب اخصائي مثله وبنفس ظروفه وهكذا. فيتم مساءلة الكادر الطبي عن كل إهمال أو تقصير في اتخاذ الحيطة والحذر او عن كل خروج عن الأصول المتعارف عليه عن جهل مما يجعل الكادر الطبي مسؤولاً عن خطئه. في نص حكم محكمة التمييز بدبي بأن “مسؤولية الطبيب او الجراح – وعلى ما قررته هذه المحكمة – لا تقوم في الأصل على التزام بتحقيق نتيجة معينة هي شفاء المريض او نجاح العملية التي يجريها له ، وإنما على التزامه ببذل العناية الصادقة في سبيل شفاءه ، وواجب الطبيب في بذل العناية مناطقة بما يقدمه طبيب يقظ من أوسط زملائه علماً ودراية من الظروف المحيطة به اثناء ممارسته لعمله مع مراعاة تقاليد المهنة والأصول العلمية الثابتة وبصرف النظر عن المسائل التي اختلف فيها أهل هذه المهنة لينفتح باب الاجتهاد فيها ، وإذا انحرف عن أداء الواجب المنوط به بالدرجة المطلوبة منه فإنه يعد خطأ يستوجب مسؤوليته عن الضرر الذي يلحق بالمريض ويفوت عليه فرصة العلاج ما دام هذا الخطأ قد تداخل بما يؤدي الى ارتباطه بالضرر ارتباط السبب بالمسبب ، وانه عند تحديد المسؤولية يجب الوقوف عند السبب المنتج والفعال في إحداث الضرر دون السبب العارض الذي ليس من شأنه بطبيعته إحداث مثل هذا الضرر ، وإذا انكر المريض على الطبيب بذل العناية الموجبة في العلاج أو الخطأ في إجراء العملية الجراحية فإن عبء إثبات ذلك يقع على عاتق المريض”.

 

وقد نصت المادة (69) من القانون الاماراتي الاتحادي رقم (1) لسنة 1992 بشان الاثبات في المعاملات المدنية والتجارية على ان “للمحكمة عند الاقتضاء ان تحكم بندب خبير أو اكثر من بين موظفي الدولة أو من بين الخبراء المقيدين في جدول الخبراء للاستنارة برأيهم في المسائل التي يستلزمها الفصل في الدعوى وتقدر المحكمة الأمانة التي يجب ايداعها في خزانة المحكمة لحساب مصروفات الخبيرة ومقابل جهده (اتعابه) ، والخصم الذي يكلف بإيداع هذه الأمانة والاجل الذي يجب فيه الإيداع ، والمبلغ الذي يجوز للخبير سحبه لمصروفاته”.

 

ويحق لأحد الخصوم تقديم طلب للجوء الى طبيب اخر لتقديم الخبرة ، لكن ذلك قد يكون سبب في تناقض التقارير ، ولذلك فأن للقضاء حق المفاضلة بين اراء الخبراء والحكم على أساس التقرير الذي يطمئن اليه ويمكنه تجاهل التقرير الذي يراه بمبررات خاطئة بعيدة عن العقل والمنطق ، حيث ان القاضي ليس ملزماً برأي الخبير إذا قدر ان التقرير في اعتقاده يتعارض مع وقائع أخرى اكثر اقناعاً من الناحية القانونية.

 

ويكون واجب الخبير هو دراسة حالة المريض ومراحل وعوامل تطور المرض ومن ثم تحديد اذا كانت الحالة التي وصل اليها المريض تعود لشدة المرض ام العلاج الذي قرره الكادر الطبي مع البحث والتقصي فيما اذا ارتكب الكادر الطبي خطأ طبياً مخالفاً للقواعد العلمية لمهنة الطب من عدمه.

 

ومن الناحية العلمية فقد يعتذر الكثير من الأطباء المعينين من المحكمة بقصد التهرب من الخبرة او قد يقوم بتقديم تقرير غير محايد في مصلحة زميلهم المدعى عليه ، وبناءً عليه قام المشرع بإقرار لجنة الخبرة حيث نصت المادة (18) من القانون الاتحادي رقم (4) لسنة 2014 للمسؤولية الطبية على ان “تنشأ بقرار من الوزير او رئيس الجهة الصحية حسب الأحوال لجنة خبرة من الأطباء المتخصصين في كافة التخصصات الطبية ، تسمى لجنة المسؤولية الطبية ، وتحدد اللائحة التنفيذية كيفية تشكيلها وقواعد وإجراءات عملها”.

 

وأشار المشرع في المادة (19) على ان “تقدم او تحال جميع الشكاوى في الوقائع المتعلقة بالخطأ الطبي الى الجهة الصحية ، وذلك وفقاً للضوابط التي تحددها اللائحة التنفيذية. وعلى الجهة الصحية إحالة الشكاوى للجنة المسؤولية الطبية المشار اليها في هذا المرسوم بقانون وعليها وضع تقرير مسبب برأيها في كل حالة تعرض عليها بناء على ما ثبت لديها من فحصها وبعد الاطلاع على الملف الطبي وما يتوفر للجنة من حقائق ومعلومات أخرى نتيجة تحقيقاتها ومناقشاتها ودراستها الفنية للحالة ، وترفع تقريرها للجهة الصحية خلال ثلاثين يوماً من تاريخ الإحالة. ويجوز تمديد الميعاد لمدة مماثلة أو أكثر بموافقة الجهة الصحية بناء على طلب اللجنة”.

 

إضافة لذلك المشرع اعطى الحق في الطعن على تقرير لجنة المسؤولية الطبية لمقدم الشكوى ولمزاول المهنة المشكو في حقه وذلك عن طريق تظلم يقدم للجهة الصحية المختصة خلال ثلاثين يوماً من تاريخ اخطارهم قانوناً بما انتهى اليه التقرير ، وذلك وفقاً لنص المادة (20) وعلى الجهة الصحية المختصة إحالة التقرير وكافة الأوراق والمستندات المتعلقة به وارفاق التظلم الى اللجنة العليا للمسؤولية الطبية المنصوص عليها في المادة (21). حيث تكون هذه اللجنة مختصة دون غيرها بالنظر في التظلمات من تقارير لجان المسؤولية الطبية ، فتقوم بوضع تقريراً مسبباً برأيها في كل تظلم وفقاً للإجراءات والقواعد التي يحددها قرار مجلس الوزراء وللجنة العليا تأييد التقرير ورفض التظلم او تعديله او الغاؤه ويعتبر تقريرها نهائيا ولا يقبل الطعن بأي وجه على التقارير الطبية الصادرة من هذه اللجنة امام أي جهة.

 

المحامي / محمد المرزوقي
مكتب محمد المرزوقي للمحاماة والاستشارات القانونية
دبي – ابوظبي – الامارات

مقالات ذات صلة