المسؤولية الطبية في حال امتناع المريض

المسؤولية الطبية في حال امتناع المريض عن تنفيذ التوصية الطبية

المسؤولية الطبية في حال امتناع المريض عن تنفيذ التوصية الطبية

 

أرست محكمة تمييز دبي في حكم حديث لها مبدأ قضائيا مفاده أنه من المقرر ـــ في قضاء هذه المحكمة ـــ أن عمل الطبيب مشروط بأن يكون ما يجريه مطابقاً للأصول العلمية المقررة فإذا ما اتبع هذه الأصول فلا تقوم مسئوليته الجنائية والمدنية ، ومن المقرر أيضاً – أن ثبوت الخطأ الموجب لمسئولية الطبيب أو نفيه واستخلاص علاقة السببية بين الخطأ والضرر أو نفيها  هو من مسائل الواقع والتي تدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع بما لها من سلطة فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة ومنها تقارير الخبراء المقدمة فيها طالما أقامت قضاءها على أسباب سائغة  لها أصل ثابت في الأوراق ،

دون أن تكون ملزمة بالرد على التقارير والمستندات المخالفة لما أخذت به لأن في قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت عليها دليلها الرد الضمني المسقط لما يخالفها، وأنه متى اطمأنت إلى تقرير اللجنة الطبية المنتدبة وأخذت به فلا عليها إن لم ترد استقلالاً على ما يسوقه الخصوم نعياً على هذا التقرير لأن في أخذها به محمولاً على أسبابه ما يفيد أنها لم تجد في تلك المطاعن ما يستحق الرد عليه بأكثر مما تضمنه التقرير.

لما كان ذلك، وكان الحكم الإبتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه قد خلص إلى نفى خطأ المطعون ضدهم  ، وقضى برفض الدعوى تأسيساً على ما أورده بأسبابه من أن((… المحكمة تطمئن لتقرير اللجنة العليا للمسئولية الطبية المنتدبة منها وذلك فيما تضمتنه من نتيجة مؤداها أن المدعية ——– ( الطاعنة )  تبلغ من العمر 37 عاما ، في أول حمل لها حضرت المريضة إلى المستشفى الاول وكانت في حمل عمره الجنيني أكثر من 5 أسابيع مع نزيف مهبلي وآلام في البطن ودوار ، تمت معاينة المريضة بفحص الموجات الفوق الصوتية المهبلية وأظهر وجود الجنين في الجزء السفلي من الرحم ولم يكن بعد هناك نبض بالجنين ،

وتم تشخيصها كاحتمال إجهاض مبكر ووضعت تحت الملاحظة بالمستشفى لمدة يوم واحد وتم إخراجها من المستشفى على الفوليك أسيد مع موعد عيادة في أسبوعين ، ثم حضرت المدعية للمستشفى الاول لإجراء فحص مبكر للحمل ، تم إبلاغها عن وجود حمل بجنين في الأسبوع الثامن على قيد الحياة وكيس الحمل ملتصق في الجزء السفلي من الرحم نشأ في عنق الرحم ،وقد كانت المريضة تشكو أيضاً من وجود بقع دم وآلام بطنيه منخفضة مع موعد المتابعة في 3 أسابيع ،

ثم شوهدت مرة أخرى في وحدة الفحص المبكر للحمل ومازال هناك بقع دموية مع ألم في البطن ، ويوضح تقرير الموجات فوق الصوتية أن كيس الحمل ناشئ في عنق الرحم ، والجنين على قيد الحياة وفي 11 أسبوع ، وتم تشخيص الإصابة بالحمل خارج التجويف الرحمي في عنق الرحم وقد تم إخطار المريضة لحاجتها إلى إنهاء الحمل لخطورته العالية ، إلا أنها قررت بعدم امتلاكها للمال الكافي للقيام بذلك ، كما لم تشأ إنهاء حياة الجنين بحجة أنه كان على قيد الحياة ،

فخرجت من المستشفى بعد أن وقعت على خروج ضد إرادة الطبيب وبتحملها المسؤولية ، ونصحت بالعودة إذا أصيبت بنزيف أو ألم مع موعد للمتابعة، ثم تم معاينة المريضة من الدكتورة —- ( المطعون ضدها الثانية ) بالمستشفى الثاني ( المطعون ضدها الأولى )  ، وقد كانت في الأسبوع 17 ، وقالت الدكتورة بأن كل شيء طبيعي ، وأن عمر الجنين فوق مجال معرفة خطورة منشأه لذلك تمت معاينته كحمل طبيعي ، ولم تخبر المريضة عن تشخيص المستشفى الاول ، ثم راجعت المريضة الدكتورة —– وأجرت لها الدكتورة —– ( المطعون ضدها الثالثة )  تصوير سونار الذي أظهر أن الحمل كان طبيعياً مع مشاهدة جنين سليم متوافق مع عمر 17 أسبوعاً  ،  

لذا تم الإبلاغ عن أن الحمل يسير بشكل طبيعي، ثم أدخلت المريضة إلى المستشفى الثاني مع نزيف مهبلي نشط وألم في البطن وأظهر الفحص الإكلينيكي عن عنق رحم مفتوح وانتفاخ الأغشية الجنينية وفي نفس اليوم الذي قدمت فيه أجهضت الجنين وتطورت الحالة بالنزيف الحاد لما بعد الإجهاض ، تمت محاولات وقف النزيف جراحياً وكذا بالبالون الداخلي للرحم وبدأ نقل الدم وتم استدعاء زوجها ووافق على إمكانية قسطرة الشريان الرحمي أو استئصال الرحم إذا لزم الأمر ، وتم أخذها في وضع حرج إلى غرفة العمليات لكشط بقايا الحمل وتم نفخ البالون بالرحم ونقلت للمراقبة ونقل الدم في وحدة العناية المركزة ، ثم خرجت المريضة إلى البيت وكانت بوضع عام جيد،

ثم زارت المريضة المستشفى الثاني بعد ذلك لزيادة النزيف المهبلي والحمى وألم البطن بعد مساج للرحم القوي من قبل والدتها في المنزل ( الممارسة التقليدية ، تم وضعها على المضادات الحيوية وكشفت الفحوصات الإكلينيكية والمزرعة لتجويف الرحم عن وجود التهاب بالبكتيريا النيسرية ( السيلان ) مع وجود تجمع دموي كبير في الرحم وعلى الجانب الأيسر من الرحم ( ظهر في التصوير بالرنين المغناطيسي للتجويف الرحمي والحوض ) ،

تم تفريغ التجمع الرحمي إلا أن المريضة استمرت في النزيف ولم يتحسن مستوى الحرارة  ، أخبرت المريضة الطاقم الطبي بأن حملها قد شخص بكونه حمل خطر ناشئ بعنق الرحم وقد تم إخبارها إنها قد تحتاج لاستئصال الرحم إذا لزم الأمر مع استمرار النزف وعدم الاستجابة للمضادات والحمل المنغرس بعنق الرحم تمت موافقة المريضة وزوجها من محاولة تفريغ الرحم مع احتمال استئصال الرحم ،

تم استئصال الرحم والمبيض الأيسر بعد عدم القدرة على وقف النزف وإهتراء الأنسجة نتيجة الالتهاب النيسيري وانتهت اللجنة إلى أنه تم تشخيص حالة المريضة بحمل خارج الرحم في عنق الرحم في المستشفى الاول وتم إخطارها بالعلاج المناسب ( الذي لو خضعت له لكان الوضع مختلفاً ) ، إلا  أنها خرجت مع تحمل كامل المسؤولية لعدم الموافقة على العلاج، وقامت المريضة بتغيير المستشفى إلى المستشفى الثاني ، وشوهدت في الأسبوع الثامن عشر من الحمل ،

عندها يصعب تشخيص الحمل العنقي في هذا العمر الجنيني ، كما أن المريضة أخفت عن الدكتورة المعالجة في المستشفى الثاني كل ملفها في المستشفى الاول وتشخيصها ووضعها السابق ، وقدمت المريضة مع نزف حاد وتمت معالجته بالأساليب الطبية المناسبة وأخرجت في وضع طبي جيد ، وأجرت بعده في المنزل بمعرفة والدتها مساج قوي للرحم ، بعد ذلك قدمت مع نزف شديد آخر والحمى والأدلة الإشعاعية من ورم دموي في الرحم والحوض مع وجود التهاب نيسيري ( ليست ببكتيريا طبيعية إنما بكتيريا خطرة ) ،

تمت محاولة تفريغ التجمع الدموي المصاب بالنيسيريا إلا أن حالة المريضة تدهورت ، فتم إجراء استئصال الرحم لإنقاذ حياتها ، وتكون بذلك الإجراءات التي تمت معاملة المريضة بها بالمستشفى الثاني قد اتفقت مع المعايير الطبية ، ولا يوجد خطأ طبي من قبل الأطباء بالمستشفى الثاني، وحيث أن المحكمة وهي تأخذ بما انتهى إليه التقرير سالف الذكر في نتيجته النهائية محمولاً على أسبابه التي بني عليها لصحتها وصحة الأسانيد

والأبحاث والأعمال التي كانت سند اللجنة في تقريرها وهي تتضمن الرد الكافي على ما قرره المدعية من تضرره مادياً ومعنوياً بسبب الخطأ الذي نسب للمدعى عليها ، لا سميا وقد ثبت مساهمتها في تحقق الضرر الذي أصيبت به والمتمثل في عدم التزامها بتعليمات مستشفى الاول بوجود إجهاض الجنين ،

إلا أنها استمرت بالحمل حتى الأسبوع الحادي العشر وقت ظهور نبض الجنين ، وكان هذا الخطأ يتجاوز أي خطأ قد ينسب للمدعى عليهم في شأن اكتشاف هذا الحمل ، طالما قد تم اكتشافه مبكراً بالفعل من مستشفى الاول إلا أنها امتنعت عن تنفيذ التوصية الطبية بشأن حالتها تحت مسئوليتها

وآثرت الاستمرار بالحمل لمدة قد يصعب منها اكتشافه من المدعى عليهم ، ومن ثم تنتفي أركان المسئولية الموجبة للتعويض في مواجهة المدعى عليهم وتقضي المحكمة على هدي منه برفض الدعوى )) .

وأضاف الحكم المطعون فيه إلى ذلك قوله أنه

((   لما كانت اللجنة العليا للمسئولية الطبية – المنتدبة من محكمة أول درجة – قد طالعت كافة الأوراق والملفات الطبية والتقارير الفنية الصادرة عن هيئة الصحة بدبي، وخلصت في تقريرها إلى أنه تمت معاملة المريضة (المستأنفة) بالمستشفى الثاني بما يتفق مع المعايير الطبية ولا يوجد خطأ طبي من قبل الأطباء بالمستشفى الثاني، …  ولا محل لندب لجنة مغايرة لإعادة بحث ذات المسالة التي تناولتها اللجنة في تقريرها، بما ينتفي معه مسئولية المستشفى المستأنف ضدها الأولى ( المطعون ضده الأولى)  عن الضمان لانتفاء الخطأ في جانب تابعيها، الأمر الذي يضحى معه الاستئناف قائم على غير أساس سليم جدير بالرفض )) ،

وإذ كان هذا الذي خلصت إليه  محكمة الموضوع يقوم على أسباب سائغة لها ما يساندها في الأوراق بما يكفى لحمل قضائها ،  لا يغير من ذلك ما تثيره الطاعنة بأن تقرير اللجنة الذي عولت عليه محكمة الموضوع في قضائها موقع عليه من أحد عشر طبيباً بينما الذي أجتمع بها هما الطبيبتين ………. و ………….. ، ذلك أنه لا إلزام فى هذا القانون علي

اللجنة بأداء عملها على وجه معين وبحسبها أن تقوم به على النحو الذي تراه محققاً للغاية التي هدفت إليها المحكمة مما كلفتها به إذ يخضع عملها وتقريرها في نهاية الأمر لمطلق تقديرها متى أقيم على أسباب سائغة ، كما لا ينال منه كذلك ما أورده

الحكم المطعون فيه بشأن عدم قابلية تقرير اللجنة للطعن عليه ،  ذلك  أن ما  أورده في هذا الشأن لم يكن إلا استطراداً زائداً من الحكم يستقيم بدونه ولا يتأثر به – أيا كان وجه الرأي فيه – قضاؤه، مما يكون معه النعي على هذه الأسباب الزائدة غير منتج،  

ومن ثم فإن النعي برمته لا يعدو أن يكون مجرد جدل موضوعي فيما تستقل محكمة الموضوع بتقديره من أدلة الدعوى وهو ما تنحسر عنه رقابة محكمة التمييز وبالتالي فهو غير مقبول .

 

المحامي / محمد المرزوقي
مكتب محمد المرزوقي للمحاماة والاستشارات القانونية
دبي – ابوظبي – الامارات

مقالات ذات صلة