علاقة التبعية بين الطبيب والمستشفى

علاقة التبعية بين الطبيب والمستشفى الذي يعمل لحسابه

 

توافر علاقة التبعية بين الطبيب والمستشفى الذي يعمل لحسابه

 

أكدت محكمة نقض أبو ظبي في حكم حديث لها أن المقرر أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة فيها – ومنها تقرير الخبراء – وترجيح ما تطمئن إليه منها متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق وتكفي لحمله.

 

لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بإلزام الطبيب المطعون ضده الثاني بالتضامن مع الطاعنة بأداء التعويض المقضي به على سند مما ورد في تقرير اللجنة العليا للمسؤولية الطبية بأنه خلال العملية التي أجريت على المريض” حدثت اختلاطات تمثلت بحدوث انسداد على مستوى عدة شرايين دماغية في كلا الجانبين نتيجة انفلات المشبك الذي يستعمل لربط الشرايين ولم يكن متوفرا الجهاز الذي يستعمل لسحبه واسترجاعه وحاول (الطبيب) وضع دعامة وكان المريض قد بدأ يبدي علامات ارتفاع الضغط داخل الدماغ مع توسع في الحدقتين وفقدان الوعي وتم إعلام أطباء جراحة الأعصاب مباشرة علما بأنه لم يتم إعلامهم مسبقا أي قبل إجراء التدخل وتم نقل المريض إلى غرفة العمليات بعد عدة ساعات لإجراء عملية إزالة صفيحة عظمية من القحف (من عظام الجمجمة) لتخفيف الضغط داخل الدماغ أدى الاختلاط لأذية دماغية شديدة كانت نتيجتها حدوث انسداد الشرايين وجلطات كبيرة على جانبي المخ”،

 

وانتهت اللجنة إلى أن” الدكتور ………………………… أخطأ وأهمل طبيا في علاج المريض ولم يتبع الأصول الطبية المتعارف عليها مما أدى لاعتلال دماغ الطفل …………… ودخوله الحالة الغيبوبة ” وإذ أقرت اللجنة العليا للمسؤولية الطبية بصفة واضحة وجلية بأن الطبيب ارتكب عديد الأخطاء عند إجرائه للعملية الجراحية ولم يتخذ الاحتياطات الضرورية التي تقتضيها الأصول الطبية مما أدى إلى حصول المضاعفات المبينة بالتقرير وإلى دخول المريض في حالة غيبوبة قد يستحيل أو يصعب الشفاء منها ولم تتقدم الطاعنة بما يوهن تلك الاستنتاجات الصادرة عن لجنة فنية متخصصة اعتمدت في أعمالها على تشخيص لحالة المريض وعلى وصف دقيق للحالة التي آل إليها وضعه الصحي بعد إجراء العملية الجراحية عليه والتي تسببت فيها الأخطاء التي قام بها الطبيب وما أتاه أثناء العملية وبعدها من أعمال لم تكن مطابقة للأصول الطبية الواجبة الإتباع في مثل هذه الحالات وبينت اللجنة العلاقة السببية بين تلك الأخطاء والأضرار التي نتحت عنها للمريض، ومن ثم فإن ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من تحميله المسؤولية عن تلك الأضرار وإلزامه بالتضامن مع الطاعنة بأداء التعويض المقضي به كان سائغا وبني على مستندات ثابتة بما يكون النعي بما ذكر قد جاء على غير أساس.

 

كما أكدت على أن المقرر أن مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعة تقوم طبقا لنص المادة 313/ب من قانون المعاملات المدنية على عنصر السلطة الفعلية وأن تكون تلك السلطة منصبة على الرقابة والتوجيه وأن يرتكب التابع الخطأ حال تأديته لوظيفته أو بسببها، كما أنه من المقرر أيضا أنه يكفي لتوافر عنصر الرقابة والتوجيه أن تكون للمتبوع السلطة الفعلية في أن يصدر للتابع من الأوامر والتوجيهات في عمله ولو توجيها عاما، بما مؤداه أنه ليس من الضروري أن يكون المتبوع قادرا على الرقابة من الناحية الفنية بل يكفي أن يكون له الرقابة والتوجيه من الناحية الإدارية، ومن ثم تكون علاقة تبعية بين الطبيب والمستشفى الذي يستخدمه أو يعمل لحسابه.

 

لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد عرضت لدفاع الطاعنة المثار في النعي إيرادا وردا وقضت برفضه على سند مما ورد بمدونات حكمها من أنه ” يجوز رفع دعوى الضمان مباشرة على المتبوع وفقا للمادة 313 معاملات مدنية بحسبه صاحب السلطة على التابع في رقابته وتوجيهه ولو لم يكن حرا في اختياره إذا كان الفعل الضار قد وقع من التابع حال تأدية وظيفته أو بسببها “، ولما كان لا نزاع بأن المطعون ضده الثاني يعمل بالمستشفى التابع للطاعنة والخاضع لرقابتها ولإشرافها وهي المسؤولة على توفير المستلزمات الضرورية للأطباء العاملين فيه بما يتسنى لهم أداء مهامهم على الوجه المطلوب، كما أن الأضرار المطالب تعويضها قد حصلت أثناء أداء الطبيب – التابع – لمهمامه بمستشفى المتبوع – الطاعنة -ومن ثم فإنها تكون مسؤولة عن كل خلل أو نقص يطرأ على التحهيزات أو خطإ يرتكبه تابعها في أدائه لمهامه وملزمة بصفتها تلك بتعويضها على أساس مسؤولية التابع للمتبوع المقررة بأحكام المادة 313 المشار إليها، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بتحميلها بالتضامن من المطعون ضده الثاني المسؤولية عن الأخطاء المقترفة من طرف تابعها وألزمتهما بالتعويض المقضي به فإن قضاءه قد جاء صحيحا وبما له أصل ثابت بالأوراق ولا مخالفة فيه للقانون والنعي عليه بهذا السبب على غير أساس.

 

كما أن المقرر أن الضرر المادي هو الإخلال بالمصلحة المالية للمضرور ويشتمل على كل ما يفقر ذمته المالية ويقدر بقدر ما لحق المضرور من ضرر وما فاته من كسب، كما أن تقدير الضمان من سلطة محكمة الموضوع ما لم يرد في القانون أو في الإتفاق نص يلزمها باتباع معايير معينة لتحديده متى استظهرت عناصر الضرر وجاء قضاؤه في ذلك سائغا ومبنيا على ما له أصل ثابت بالأوراق بما يكفي لحمله. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين في أسبابه الأضرار التي حاقت بالمضرور والناتجة عن الخطأ الطبي للمطعون ضده الثاني والمبينة بتقرير اللجنة العليا للمسؤولية الطبية وقد أصبح بمقتضاها المضرور -وهو شاب في مقتبل العمر -في حالة غيبوبة لا يرجى منها الشفاء حسب ما أكده الأطباء، ولما كانت تلك الحالة تستلزم عناية دائمة من والديه المطعون ضدهما وبذل مصاريف للعناية به فإن ذلك من شأنه أن يشكل عبئا ثقيلا يستحقان التعويض عنه،

 

علاوة على أن ضمان بقائه على قيد الحياة يفرض على والديه توفير العناية المتواصلة له مما أعاقهما على متابعة مصالحهما ومتابعة العمل في ظروف طبيعية، ولما كانت المحكمة قد بينت تلك العناصر بمدونات حكمها وأوضحت أسبابها وآثارها البليغة على الطاعنين وانتهت صائبة إلى استحقاقهما للتعويض المقضي به فإن ما انتهت إليه في هذا الخصوص كان سائغا وله ما يبرره بالأوراق وبالتقرير الصادر عن اللجنة العليا للمسؤولية الطبية والذي تم فيه تشخيص حالة المريض وما آلت إليه حالته الصحية بعد العملية الجراحية التي أجريت عليه وكانت هذه العناصر كافية للقضاء بالتعويض المحكوم به بما يكون معه النعي على الحكم المطعون فيه بما ذكر على غير أساس.

 

كما انتهت الى ان مفاد نص المادة 293/2 من قانون المعاملات المدنية على أنه “يجوز أن يقضى بالضمان للأزواج والأقربين من الأسرة عما يصيبهم من ضرر أدبي بسبب موت المصاب” يدل – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن المشرع بعد أن قرر مبدأ التعويض عن الضرر الأدبي بين من يحق له المطالبة به وهو المضرور وكذا من يضار أدبيا بسبب موت المصاب من أزواج وأقارب، ومن ثم فإنه إذا ظل المصاب على قيد الحياة فإن هؤلاء لا يستحقون تعويضا عن الضرر الأدبي بسبب إصابته.

 

لما كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق وبتقرير اللجنة العليا للمسؤولية الطبية أن المضرور ولئن أصيب بأضرار جسيمة نتيجة العملية الجراحية التي أجريت عليه وأصبح في حالة غيبوبة فإن ذلك لم يؤد إلى وفاته ذلك أنه ما زال على قيد الحياة، ولا ينال من ذلك ما تمسك به الطاعنان بوجه النعي من أن حالة ابنهما قد سببت لهما أسى ولوعة كما أنها أجبرتهما على إهمال بقية أولادهما لتوفير العناية اللازمة له معتبرين أن عناصر الضرر الأدبي قد توافرت في حقهم ولا مبرر لحرمانهما منه، غير أنه – وعلى فرض أن هذا الوضع قد ألحق بهما ضررا -فإنه لا يجيز لهما طلب التعويض عن الضرر الأدبي طالما أن المضرور على قيد الحياة وذلك تطبيقا لأحكام المادة 293/2 السالفة الذكر، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه لما قضى بإلغاء حكم أول درجة فيما قضى به من تعويض أدبي للوالدين فإنه قد طبق صحيح القانون والنعي عليه بهذا السبب على غير أساس.

 

المحامي / محمد المرزوقي
مكتب محمد المرزوقي للمحاماة والاستشارات القانونية
دبي – ابوظبي – الامارات

مقالات ذات صلة